فصل: قال الألوسي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.التفسير المأثور:

قال السيوطي:
{لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا (7)}
أخرج أبو الشيخ عن ابن عباس قال: كان أهل الجاهلية لا يورثون البنات، ولا الصغار الذكور حتى يدركوا. فمات رجل من الأنصار يقال له أوس بن ثابت وترك ابنتين وابنًا صغيرًا، فجاء ابنا عمه وهما عصبته فأخذا ميراثه كله، فقالت امرأته لهما: تزوجا بهما وكان بهما دمامة فأبيا. فأتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله توفي أوس وترك ابنًا صغيرًا وابنتين، فجاء ابنا عمه خالد وعرفطة فأخذا ميراثه، فقلت لهما: تزوّجا ابنتيه فأبيا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما أدري ما أقول؟ فنزلت {للرجال نصيب مما ترك الوالدان والأقربون...} الآية. فأرسل إلى خالد وعرفطة فقال: لا تحركا من الميراث شيئًا، فإنه قد أنزل عليَّ فيه شيء أخبرت فيه أن للذكر والأنثى نصيبًا، ثم نزل بعد ذلك {ويستفتونك في النساء} [النساء: 127] إلى قوله: {عليمًا} ثم نزل {يوصيكم الله في أولادكم} [النساء: 11] إلى قوله: {والله عليم حليم} فدعا بالميراث فأعطى المرأة الثمن، وقسم ما بقي للذكر مثل حظ الأنثيين».
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن عكرمة في الآية قال: نزلت في أم كلثوم، وابنة أم كحلة، أو أم كحة، وثعلبة بن أوس، وسويد، وهم من الأنصار. كان أحدهم زوجها والآخر عم ولدها فقالت: يا رسول الله توفي زوجي وتركني وابنته فلم نورث من ماله فقال عم ولدها: يا رسول الله لا تركب فرسًا، ولا تنكأ عدوًا ويكسب عليها ولا تكتسب. فنزلت {للرجال نصيب..} الآية.
وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير أن أهل الجاهلية كانوا لا يورثون النساء ولا الولدان الصغار شيئًا، يجعلون الميراث لذي الأسنان من الرجال. فنزلت {للرجال نصيب مما ترك الوالدان والأقربون} إلى قوله: {مما قلَّ منه أو كثر} يعني من الميراث {نصيبًا} يعني حظًا {مفروضًا} يعني معلومًا.
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن الضحاك {نصيبًا مفروضًا} قال: وقفًا معلومًا. اهـ.

.تفسير الآية رقم (8):

قوله تعالى: {وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُو الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفًا (8)}

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
ولما بين المفروض أتبعه المندوب فقال تعالى: {وإذا حضر القسمة أولوا القربى} أي ممن لا يرث صغارًا أو كبارًا {واليتامى والمساكين} أي قرباء أو غرباء {فارزقوهم منه} أي المتروك، وهو أمر ندب لتطييب قلوبهم، وقرينة صرفه عن الوجوب ترك التحديد {وقولوا لهم} أي مع الإعطاء {قولًا معروفًا} أي حسنًا سائغًا في الشرع مقبولًا تطيب به نفوسهم. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

اعلم أن قوله: {وَإِذَا حَضَرَ القسمة} ليس فيه بيان أي قسمة هي، فلهذا المعنى حصل للمفسرين فيه أقوال:
الأول: أنه تعالى لما ذكر في الآية الأولى أن النساء أسوة الرجال في أن لهن حظًا من الميراث، وعلم تعالى أن في الأقارب من يرث ومن لا يرث، وأن الذين لا يرثون إذا حضروا وقت القسمة، فإن تركوا محرومين بالكلية ثقل ذلك عليهم، فلا جرم أمر الله تعالى أن يدفع إليهم شيء عند القسمة حتى يحصل الأدب الجميل وحسن العشرة، ثم القائلون بهذا القول اختلفوا، فمنهم من قال: إن ذلك واجب، ومنهم من قال: إنه مندوب، أما القائلون بالوجوب، فقد اختلفوا في أمور:
أحدها: أن منهم من قال: الوارث إن كان كبيرًا وجب عليه أن يرضخ لمن حضر القسمة شيئا من المال بقدر ما تطيب نفسه به، وإن كان صغيرًا وجب على الولي إعطاؤهم من ذلك المال، ومنهم من قال: إن كان الوارث كبيرًا، وجب عليه الإعطاء من ذلك المال، وإن كان صغيرًا وجب على الولي أن يعتذر إليهم، ويقول: إني لا أملك هذا المال إنما هو لهؤلاء الضعفاء الذين لا يعقلون ما عليهم من الحق، وإن يكبروا فسيعرفون حقكم، فهذا هو القول المعروف.
وثانيها: قال الحسن والنخعي: هذا الرضخ مختص بقسمة الأعيان، فإذا آل الأمر إلى قسمة الأرضين والرقيق وما أشبه ذلك، قال لهم قولا معروفا، مثل أن يقول لهم: ارجعوا بارك الله فيكم.
وثالثها: قالوا: مقدار ما يجب فيه الرضخ شيء قليل، ولا تقدير فيه بالاجماع.
ورابعها: أن على تقدير وجوب هذا الحكم تكون هذه الآية منسوخة.
قال ابن عباس في رواية عطاء: وهذه الآية منسوخة بآية المواريث، وهذا قول سعيد بن المسيب والضحاك وقال في رواية عكرمة: الآية محكمة غير منسوخة وهو مذهب أبي موسى الأشعري وإبراهيم النخعي والشعبي والزهري ومجاهد والحسن وسعيد بن جبير، فهؤلاء كانوا يعطون من حضر شيئا من التركة.
روي أن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق قسم ميراث أبيه وعائشة حية، فلم يترك في الدار أحدا إلا أعطاه، وتلا هذه الآية، فهذا كله تفصيل قول من قال بأن هذا الحكم ثبت على سبيل الوجوب، ومنهم من قال: إنه ثبت على سبيل الندب والاستحباب، لا على سبيل الفرض والايجاب، وهذا الندب أيضا إنما يحصل إذا كانت الورثة كبارًا، أما إذا كانوا صغارا فليس إلا القول المعروف، وهذا المذهب هو الذي عليه فقهاء الأمصار.
واحتجوا بأنه لو كان لهؤلاء حق معين لبين الله تعالى قدر ذلك الحق كما في سائر الحقوق، وحيث لم يبين علمنا أنه غير واجب، ولأن ذلك لو كان واجبا لتوفرت الدواعي على نقله لشدة حرص الفقراء والمساكين على تقديره، ولو كان ذلك لنقل على سبيل التواتر، ولما لم يكن الأمر كذلك علمنا أنه غير واجب.
القول الثاني: في تفسير الآية: أن المراد بالقسمة الوصية، فإذا حضرها من لا يرث من الأقرباء واليتامى والمساكين أمر الله تعالى أن يجعل لهم نصيبا من تلك الوصية، ويقول لهم مع ذلك: قولا معروفا في الوقت، فيكون ذلك سببا لوصول السرور إليهم في الحال والاستقبال، والقول الأول أولى، لأنه تقدم ذكر الميراث ولم يتقدم ذكر الوصية، ويمكن أن يقال: هذا القول أولى لأن الآية التي تقدمت في الوصية.
القول الثالث: في تفسير الآية أن قوله: {وَإِذَا حَضَرَ القسمة أُوْلُواْ القربى} فالمراد من أُوْلِى القربى الذين يرثون والمراد من اليتامى والمساكين الذين لا يرثون. اهـ.
قال الفخر:
فقوله: {فارزقوهم} راجع إلى القربى الذين يرثون وقوله: {وَقُولُواْ لَهُمْ قَوْلًا مَّعْرُوفًا} راجع إلى اليتامى والمساكين الذين لا يرثون، وهذا القول محكي عن سعيد بن جبير. اهـ.
قال الفخر:
قال صاحب الكشاف: الضمير في قوله: {فارزقوهم مّنْهُ} عائد إلى ما ترك الوالدان والأقربون، وقال الواحدي: الضمير عائد إلى الميراث فتكون الكناية على هذا الوجه عائدة إلى معنى القسمة، لا إلى لفظها كقوله: {ثُمَّ استخرجها مِن وِعَاء أَخِيهِ} [يوسف: 76] والصواع مذكر لا يكنى عنه بالتأنيث، لكن أريد به المشربة فعادت الكناية إلى المعنى لا إلى اللفظ، وعلى هذا التقدير فالمراد بالقسمة المقسوم، لأنه إنما يكون الرزق من المقسوم لا من نفس القسمة. اهـ.

.قال الألوسي:

{وَإِذَا حَضَرَ القسمة} أي قسمة التركة بين أربابها وهي مفعول به، وقدمت لأنها المبحوث عنها ولأن في الفاعل تعددًا فلو روعي الترتيب يفوت تجاذب أطراف الكلام، وقيل: قدمت لتكون أمام الحاضرين في اللفظ كما أنها أمامهم في الواقع، وهي نكتة للتقديم لم أر مَن ذكرها من علماء المعاني.
{أُوْلُواْ القربى} ممن لا يرث لكونه عاصبًا محجوبًا أو لكونه من ذوي الأرحام، والقرينة على إرادة ذلك ذكر الورثة قبله {واليتامى والمساكين} من الأجانب {فارزقوهم مّنْهُ} أي اعطوهم شيئًا من المال أو المقسوم المدلول عليه بالقسمة، وقيل: الضمير لما وهو أمر ندب كلف به البالغون من الورثة تطييبًا لقلوب المذكورين وتصدقًا عليهم، وقيل: أمر وجوب واختلف في نسخه ففي بعض الروايات عن ابن عباس أنه لا نسخ والآية محكمة وروي ذلك عن عائشة رضي الله تعالى عنها.
وأخرج أبو داود في ناسخه وابن أبي حاتم من طريق عطاء عن ابن عباس أنه قال: {وَإِذَا حَضَرَ القسمة} الآية نسختها آية الميراث فجعل لكل إنسان نصيبه مما ترك مما قلّ منه أو كثر.
وحكي عن سعيد بن جبير أن المراد من أولى القربى هنا الوارثون، ومن {اليتامى والمساكين} غير الوارثين وأن قوله سبحانه: {فارزقوهم مّنْهُ} راجع إلى الأولين، وقوله تعالى: {وَقُولُواْ لَهُمْ قَوْلًا مَّعْرُوفًا} راجع للآخرين وهو بعيد جدًا، والمتبادر ما ذكر أولًا وهذا القول للمرزوقين من أولئك المذكورين، والمراد من القول المعروف أن يدعو لهم ويستقلوا ما أعطوهم ويعتذروا من ذلك ولا يمنّوا عليهم. اهـ.

.قال ابن عاشور:

جملة معطوفة على جملة {للرجال نصيب} [النساء: 7] إلى آخرها.
وهذا أمر بعطية تعطى من الأموال الموروثة: أمر الورثة أن يسهموا لمن يحضر القسمة من ذوي قرابتهم غير الذين لهم حقّ في الإرث، ممّن شأنهم أن يحضروا مجالس الفصل بين الأقرباء.
وقوله: {للرجال نصيب} [النساء: 7] وقوله: {وللنساء نصيب} [النساء: 7] يقتضيان مقسومًا، فالتعريف في قوله: {القسمة} تعريف العهد الذِكري.
والأمر في قوله: {فارزقوهم منه} محمول عند جمهور أهل العلم على الندب من أوّل الأمر، إذ ليس في الصدقات الواجبة غير الزكاة، لأنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال للأعرابي لمّا قال له: هل عليّ غيرها؟ «لا إلاّ أنّ تطَّوّع» وبهذا قال مالك وأبو حنيفة وفقهاء الأمصار، وجعلوا المخاطب بقوله: {فارزقوهم} الورثة المالكين أمر أنفسهم، والآية عند هؤلاء محكمة غير منسوخة، وذهب فريق من أهل العلم إلى حمل الأمر بقوله: {فارزقوهم} على الوجوب، فعن ابن عباس، وعكرمة، ومجاهد، والزهري، وعطاء، والحسن، والشعبي: أن ذلك حقّ واجب على الورثة المالكين أمر أنفسهم فهم المخاطبون بقوله: {فارزقوهم}.
وعن ابن عباس، وأبي موسى الأشعري وسعيد بن المسيّب، وأبي صالح: أنّ ذلك كان فرضا قبل نزول آية المواريث، ثم نسخ بآية المواريث، ومآل هذا القول إلى موافقة قول جمهور أهل العلم.
عن ابن عباس أيضًا.
وزيد بن أسلم: أنّ الأمر موجّه إلى صاحب المال في الوصيّة التي كانت مفروضة قبل شرع الميراث واجب عليه أن يجعل في وصيّنه شيئًا لمن يحضر وصيّته من أولى القربى واليتامى والمساكين غير الذين أوصى لهم، وأنّ ذلك نسخ تَبعا لنسخ وجوب الوصية، وهذا يقتضي تأويل قوله: {القسمة} بمعنى تعيين ما لكل موصى له من مقدار.
وعن سعيد بن جبير: أنّ الآية في نفس الميراث وأنّ المقصود منها هو قوله: {وقولوا لهم قولًا معروفًا} قال: فقوله: {فارزقوهم منه} هو الميراث نفسه.
وقوله: {وقولوا لهم قولًا معروفًا} أي قولوا لغير الورثة بأن يقال لهم إنّ الله قسم المواريث.
وقد علمت أنّ موقع الآية تمهيد لتفصيل الفرائض، وأنّ ما ذهب إليه جمهور أهل العلم هو التأويل الصحيح للآية، وكفاك باضطراب الرواية عن ابن عباس في تأويلها توهينا لتأويلاتهم.
والأمر بأن يقولوا لهم قولًا معروفًا أي قولًا حسنًا وهو ضدّ المنكر تسلية لبعضهم على مَا حرموا منه من مال الميّت كما كانوا في الجاهلية. اهـ.